فصل: سئل إذا حلف الرجل بالطلاق فقال‏ الطلاق يلزمنى لأفعلن كذا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 فصل

النوع الثاني‏:‏ أيمان المسلمين، فإن حلف باسم اللّه فهي أيمان منعقدة بالنص والإجماع، وفيها الكفارة إذا حنث‏.‏ وإذا حلف بما يلتزمه للّه كالحلف بالنذر والظهار والحرام والطلاق والعتاق مثل أن يقول‏:‏ إن فعلت كذا فعلى عشر حجج، أو فمإلى صدقة، أو‏:‏ على صيام شهر‏.‏ أو‏:‏ فنسائي طوالق، أو عبيدي أحرار، أو يقول‏:‏ الحل على حرام لا أفعل كذا‏.‏ أو‏:‏ /الطلاق يلزمنى لا أفعل كذا وكذا‏.‏ أو إلا فعلت كذا‏.‏ وإن فعلت كذا فنسائي طوالق‏.‏ أو عبيدي أحرار، ونحو ذلك، فهذه الأيمان أيمان المسلمين عند الصحابة وجمهور العلماء، وهي أيمان منعقدة‏.‏ وقال طائفة‏:‏ بل هو من جنس الحلف بالمخلوقات، فلا تنعقد‏.‏ والأول أصح، وهو قول الصحابة؛ فإن عمر وابن عمر وابن عباس وغيرهم كانوا ينهون عن النوع الأول، وكانوا يأمرون من حلف بالنوع الثاني أن يكفر عن يمينه، ولا ينهونه عن ذلك، فإن هذا من جنس الحلف باللّه والنذر للّه‏.‏ وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كفارة النذر كفارة يمين‏)‏‏.‏

فقول القائل‏:‏ للّه على أن أفعل كذا‏.‏ إن قصد به اليمين فهو يمين كما لو قال‏:‏ للّه على كذا، أو أن أقتل فلانا، فعليه كفارة في مذهب أحمد، وأبي حنيفة، وهو الذي ذكره الخراسانيون في مذهب الشافعي‏.‏ فالذين قالوا‏:‏ هذا يمين منعقدة، منهم من ألزم الحالف بما التزمه، فألزمه إذا حنث بالنذر والطلاق والعتاق والظهار والحرام، وهو قول مالك وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة‏.‏ ومنهم من فرق بين الطلاق والعتاق وبين غيرهما، وهو المعروف عن الشافعي‏.‏ ومنهم من فرق بين النذر وغيره، وهو المشهور عن أحمد، ومنهم من فرق بين الطلاق وغيرها، وهو أبو ثور‏.‏ والصحيح أن هذه الأيمان كلها فيها كفارة إذا حنث، ولا يلزمه إذا حنث لا نذر ولا طلاق ولا عتاق ولا حرام‏.‏ وهذا معني أقوال الصحابة، فقد ثبت النقل عنهم صريح بذلك في الحلف بالعتق والنذر‏.‏ وتعليلهم‏.‏ وعموم كلامهم /يتناول الحلف بالطلاق وقد ثبت عن غير واحد من السلف أنه لا يلزم الحلف بالطلاق طلاقا كما ثبت عن طاوس، وعكرمة، وعن أبي جعفر، وجعفر بن محمد‏.‏ ومن هؤلاء من ألزم الكفارة، وهو الصحيح‏.‏ ومنهم من لم يلزمه الكفارة‏.‏

فللعلماء في الحلف بالطلاق أكثر من أربعة أقوال قيل‏:‏ يلزمه مطلقا، كقول الأربعة‏.‏ وقيل‏:‏ لا يلزمه مطلقا، كقول أبي عبد الرحمن الشافعي وابن حزم، وغيرهما‏.‏ وقيل‏:‏ إن قصد به اليمين لم يلزمه، وهو أصح الأقوال، وهو معني قول الصحابة اليمين‏.‏

ففي لزوم الكفارة قولان‏:‏ أصحهما أنه يلزمه إذا كانت اليمين على مستقبل، فإن كانت اليمين على ماض أو حاضر قصده به الخبر ـ لا الحض والمنع ـ كقوله‏:‏ واللّه لقد فعلت كذا، أو لم أفعله، وقوله‏:‏ الطلاق يلزمنى لقد فعلت كذا، أو لم أفعله‏.‏ أو الحل على حرام لقد فعلت كذا، فهذا إما أن يكون معتقداً صدق نفسه، أو يعلم أنه كاذب‏.‏ فإن كان يعتقد صدق نفسه ففيه ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ لا يلزمه شيء في جميع هذه الأيمان؛ وهذا أظهر قولي الشافعي؛ والرواية الثانية عن أحمد‏.‏ فمن حلف بالطلاق والعتاق أو غيرهما /على شيء يعتقده كما لو حلف عليه فتبين بخلافه فلا شيء عليه على هذا القول، وهذا أصح الأقوال‏.‏

والثاني‏:‏ يكون كالحلف على المستقبل في الجميع، وهذا هو القول الثاني للشافعي، والرواية الثانية عن أحمد‏.‏ فعلى هذا تلزمه الكفارة فيما يكفره‏.‏

والقول الثالث‏:‏ أن يمينه إذا كانت مكفرة كالحلف بسم اللّه فلا شيء عليه، بل هذا من لغو اليمين، وإن كانت غير مكفرة كالحلف بالطلاق والعتاق لزمه ذلك، وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد في المشهور‏.‏

فإذا كانت اليمين غموسا ـ وهو أن يحلف كاذبا عالما بكذب نفسه ـ فهذه اليمين يأثم بها باتفاق المسلمين، وعليه أن يستغفر اللّه منها، وهي كبيرة من الكبائر، لاسيما إن كان مقصوده أن يظلم غيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي اللّه وهو عليه غضبان‏)‏‏.‏ ثم إن كانت مما يكفر، ففيها كفارة عند الشافعي وأحمد في رواية، وأما الأكثرون فقالوا‏:‏ هذه أعظم من أن تكفر، وهذا قول مالك وأبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه‏.‏ قالوا‏:‏ والكبائر لا كفارة فيها كما لا كفارة في السرقة، والزنا، وشرب الخمر، وكذلك قتل العمد لا كفارة فيه عند الجمهور‏.‏

/وإذا حلف بالتزام يمين غموس، كالصورة التي سأل عنها السائل مثل أن يقول‏:‏ الحل عليه حرام ما فعلت كذا، أو الطلاق يلزمنى ما فعلت كذا‏.‏ أو إن فعلت كذا، فمالي صدقة، أو فعلى الحج، أو فنسائي طوالق‏.‏ أو عبيدي أحرار، فقيل‏:‏ تلزمه هذه اللوازم إذا قلنا لا كفارة في الغموس، وإن قلنا‏:‏ هذه أيمان مكفرة في المستقبل؛ لأنه لو لم يلزمه ذلك لخلت هذه الأيمان عن الكفارة، ولزوم ما التزمه، وهو اختيار جدي أبي البركات وكذلك قال محمد بن مقاتل الرازي‏:‏ من حلف بالكفر يمينا غموسا كفر‏.‏

والقول الثاني‏:‏ أن هذا كاليمين الغموس بالله، هي من الكبائر، ولا يلزمه ما التزمه من النذر والطلاق والحرام، وهو أصح القولين‏.‏ وعلى هذا القول فكل من لم يقصده لم يلزمه نذر ولا طلاق ولا عتاق ولا حرام، سواء كانت اليمين منعقدة أو كانت غموسا، أو كانت لغواً، وإنما يلزم الطلاق والعتاق والنذر لمن قصد ذلك؛ فإن التعليق نوعان‏:‏ نوع يقصد به وقوع الجزاء إذا وقع الشرط، فهذا تعليق لازم‏.‏ فإذا علق النذر أو الطلاق أو العتاق على هذا الوجه لزمه‏.‏

فإذا قال لامرأته‏:‏ إذا تطهرت من الحيض فأنت طالق، أو إذا تبين حملك فأنت طالق، وقع بها الطلاق عند الصفة، وكذلك إذا علقه بالهلال، وكذلك لو نهاها عن أمر وقال‏:‏ إن فعلته فأنت طالق ـ وهو إذا فعلته يريد أن يطلقها ـ فإنه يقع به الطلاق، ونحو هذا‏.‏

/بخلاف مثل أن ينهاها عن فاحشة أو خيانة أو ظلم فيقول‏:‏ إن فعلتيه أنت طالق‏.‏ فهو وإن كان يكره طلاقها، لكن إذا فعلت ذلك المنكر كان طلاقها أحب إليه من أن يقيم معها على هذا الوجه، فهذا يقع به الطلاق، فقد ثبت عن الصحابة أنهم أوقعوا الطلاق المعلق بالشرط إذا كان قصده وقوعه عند الشرط، كما ألزموه بالنذر، بخلاف من كان قصده اليمين‏.‏

والذي قصده اليمين هو مثل الذي يكره الشرط ويكره الجزاء وإن وقع الشرط، مثل أن يقول‏:‏ إن سافرت معكم فنسائي طوالق، وعبيدي أحرار ومالي صدقة وعلى عشر حجج، وأنا بريء من دين الإسلام، ونحو ذلك فهذا مما يعرف قطعا أنه لا يريد أن تلزمه هذه الأمور، وإن وجد الشرط، فهذا هو الحالف‏.‏ فيجب الفرق في جميع التعليقات، ومن قصده وقوع الجزاء ومن قصده اليمين، فإذا طلق امرأته طلاقا منجزا، أو معلقا بصفة يقصد إيقاع الطلاق عندها، وقع به الطلاق إذا كان حلالا، وهو أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه، أو حامل قد تبين حملها‏.‏

وأما الطلاق الحرام، كما لو طلق في الحيض، أو الطهر بعد أن وطأها وقبل أن يتبين حملها، ففيه نزاع، والأظهر أنه لا يلزم، كما لا يلزم النكاح المحرم ونحوه‏.‏ وجمع الثلاث حرام عند الجمهور‏.‏ فإذا طلق ثلاثا‏:‏ فهل يلزمه الثلاث، أو واحدة‏؟‏ ففيه قولان، أظهرهما أنه لا يلزمه إلا واحدة، وقد بسطنا الكلام على هذه المسائل في غير هذا الموضع‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

/ وسئل ـ رحمه اللّه تعالى‏:‏

إذا حلف الرجل بالطلاق فقال‏:‏ الطلاق يلزمنى لأفعلن كذا، أو لا أفعله، أو الطلاق لازم لي لأفعلنه، أو إن لم أفعله فالطلاق يلزمني، أو لازم ونحو هذه العبارات التي تتضمن التزام الطلاق في يمينه، ثم حنث في يمينه‏:‏ فهل يقع به الطلاق‏؟‏

فأجاب‏:‏

فيه قولان لعلماء المسلمين في المذاهب الأربعة وغيرها من مذاهب علماء المسلمين‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه لا يقع الطلاق، وهذا منصوص عن أبي حنيفة نفسه وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي، كالقفال، وأبي سعيد المتولي صاحب التتمه وبه يفتي ويقضي في هذه الأزمنة المتأخرة طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أهل السنة والشيعة في بلاد الشرق، والجزيرة، والعراق، وخراسان، والحجاز، واليمن وغيرها‏.‏ وهو قول داود وأصحابه ـ كابن حزم وغيره ـ كانوا يفتون ويقضون في بلاد فارس والعراق والشام ومصر وبلاد المغرب إلى اليوم، فإنهم خلق عظيم، وفيهم قضاة ومفتون عدد كثير‏.‏ وهو قول طائفة من السلف كطاوس وغير طاووس‏.‏ وبه يفتي كثير / من علماء المغرب في هذه الأزمنة المتأخرة من المالكية وغيرهم، وكان بعض شيوخ مصر يفتي بذلك، وقد دل على ذلك كلام الإمام أحمد بن حنبل المنصوص عنه وأصول مذهبه في غير موضع‏.‏

ولو حلف بالثلاث فقال‏:‏ الطلاق يلزمنى ثلاثا لأفعلن كذا، ثم لم يفعل فكان طائفة من السلف والخلف من أصحاب مالك وأحمد بن حنبل وداود وغيرهم يفتون بأنه لا يقع به الثلاث، لكن منهم من يوقع به واحدة، وهذا منقول عن طائفة من الصحابة والتابعين وغيرهم في التنجيز، فضلا عن التعليق واليمين، وهذا قول من اتبعهم على ذلك من أصحاب مالك، وأحمد، وداود في التنجيز والتعليق، والحلف‏.‏

ومن السلف طائفة من أعيانهم فرقوا في ذلك بين المدخول بها وغير المدخول بها‏.‏

والذين لم يوقعوا طلاقا بمن قال الطلاق يلزمنى لأفعلن كذا، منهم من لا يوقع به طلاقا، ولا يأمره بكفارة، ومنهم من يأمره بكفارة، وبكل من القولين أفتى كثير من العلماء‏.‏ وقد بسطت أقوال العلماء في هذه المسائل، وألفاظهم، ومن نقل ذلك عنهم، والكتب الموجود ذلك فيها، والأدلة على هذه الأقوال في مواضع أخر تبلغ عدة مجلدات‏.‏

/وهذا بخلاف الذي ذكرته في مذهب أبي حنيفة والشافعي، وهو فيما إذا حلف بصيغة اللزوم مثل قوله‏:‏ الطلاق يلزمني، ونحو ذلك، وهذا النزاع في المذهبين سواء كان منجزا، أو معلقا بشرط، أو محلوفا به، ففي المذهبين‏:‏ هل ذلك صريح، أو كناية‏؟‏ أو لا صريح ولا كناية فلا يقع به الطلاق وإن نواه‏؟‏ ثلاثة أقوال‏.‏ وفي مذهب أحمد قولان هل ذلك صريح، أو كناية وأما الحلف بالطلاق أو التعليق الذي يقصد به الحلف، فالنزاع فيه من غيرهم بغير هذه الصيغة‏.‏

فمن قال‏:‏ إن من أفتى بأن الطلاق لا يقع في مثل هذه الصورة خالف الإجماع، وخالف كل قول في المذاهب الأربعة فقد أخطأ، واقتفي مالا علم به، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏، بل أجمع الأئمة الأربعة وأتباعهم وسائر الأئمة مثلهم على أنه من قضي بأنه لا يقع الطلاق في مثل هذه الصورة لم يجز نقض حكمه‏.‏ ومن أفتى به ممن هو من أهل الفتيا ساغ له ذلك، ولم يجز الإنكار عليه باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين ولا على من قلده‏.‏ ولو قضي أو أفتى بقول سائغ يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة في مسائل الأيمان والطلاق وغيرهما مما ثبت فيه النزاع بين علماء المسلمين ولم يخالف كتابا ولا سنة ولا معني ذلك، بل كان القاضي به والمفتي به يستدل عليه بالأدلة الشرعية ـ كالاستدلال بالكتاب والسنة ـ فإن هذا يسوغ له أن يحكم به ويفتي به‏.‏

/ولا يجوز باتفاق الأئمة الأربعة نقض حكمه إذا حكم، ولا منعه من الحكم به، ولا من الفتيا به، ولا منع أحد من تقليده‏.‏ ومن قال‏:‏ إنه يسوغ المنع من ذلك فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة، بل خالف إجماع المسلمين، مع مخالفته للّه ورسوله، فإن اللّه تعالى يقول في كتابه‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأولى الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏]‏، فأمر اللّه المؤمنين بالرد فيما تنازعوا فيه إلى اللّه والرسول، وهو الرد إلى الكتاب والسنة‏.‏ فمن قال‏:‏ إنه ليس لأحد أن يرد ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة، بل على المسلمين اتباع قولنا دون القول الآخر من غير أن يقيم دليلاً شرعيًا ـ كالاستدلال بالكتاب والسنة ـ على صحة قوله فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وتجب استتابة مثل هذا وعقوبته، كما يعاقب أمثاله‏.‏ فإذا كانت المسألة مما تنازع فيه علماء المسلمين، وتمسك بأحد القولين، لم يحتج على قوله بالأدلة الشرعية ـ كالكتاب والسنة ـ وليس مع صاحب القول الآخر من الأدلة الشرعية ما يبطل به قوله‏:‏ لم يكن لهذا الذي ليس معه حجة تدل على صحة قوله أن يمنع ذلك الذي يحتج بالأدلة الشرعية بإجماع المسلمين، بل جوز أن يمنع المسلمون من القول الموافق للكتاب والسنة، وأوجب على الناس اتباع القول الذي يناقضه بلا حجة شرعية توجب عليهم اتباع هذا القول، وتحرم عليهم اتباع ذلك القول، فإنه قد انسلخ من الدين، تجب استتابته وعقوبته /كأمثاله، وغايته أن يكون جاهلا فيعذر بالجهل أولاً حتى يتبين له أقوال أهل العلم ودلائل الكتاب والسنة، فإن أصر بعد ذلك على مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدي، واتبع غير سبيل المؤمنين، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏

وكل يمين من أيمان المسلمين غير اليمين باللّه ـ عز وجل ـ مثل الحلف بالطلاق والعتاق، والظهار، والحرام، والحلف بالحج، والمشي، والصدقة، والصيام، وغير ذلك ـ فللعلماء فيها نزاع معروف عند العلماء، سواء حلف بصيغة القسم فقال‏:‏ الحرام يلزمني، أو العتق يلزمني، لأفعلن كذا‏.‏ أو حلف بصيغة العتق فقال‏:‏ إن فعلت كذا فعلي الحرام، ونسائي طوالق، أو فعبيدي أحرار، أو مالي صدقة، وعلي المشي إلى بيت اللّه تعالى‏.‏

واتفقت الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين على أنه يسوغ للقاضي أن يقضي في هذه المسائل جميعها بأنه إذا حنث لا يلزمه ما حلف به، بل إما ألا يجب عليه شيء، وإما أن تجزيه الكفارة‏.‏ ويسوغ للمفتي أن يقضي بذلك، ومازال في المسلمين من يفتي بذلك من حين حدث الحلف بها‏.‏ وإلى هذه الأزمنة، منهم من يفتي بالكفارة فيها، ومنهم يفتي بأنه لا كفارة فيها، ولا لزوم المحلوف به كما أن منهم من يفتي بلزوم المحلوف به‏.‏ وهذه الأقوال الثلاثة في الأمة من يفتي بها بالحلف بالطلاق والعتاق والحرام والنذر‏.‏ وأما إذا حلف بالمخلوقات كالكعبة، والملائكة، فإنه لا كفارة في هذا باتفاق المسلمين‏.‏

/فالأيمان ثلاثة أقسام‏:‏ إما الحلف باللّه، ففيه الكفارة بالاتفاق‏.‏ وإما الحلف بالمخلوقات، فلا كفارة فيه بالاتفاق، إلا الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قولان في مذهب أحمد‏.‏ والجمهور أنه لا كفارة فيه، وقد عدي بعض أصحاب ذلك إلى جميع النبيين، وجماهير العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم على خلاف ذلك‏.‏ وأما ما عقد من الأيمان باللّه ـ تعالى ـ وهو هذه الأيمان فللمسلمين فيها ثلاثة أقوال‏.‏ وإن كان من الناس من ادعي الإجماع في بعضها، فهذا كما أن كثيرا من مسائل النزاع يدعي فيها الإجماع من لم يعلم النزاع، ومقصوده أني لا أعلم نزاعا، فمن علم النزاع وأثبته كان مثبتا عالما، وهو مقدم على النافي الذي لا يعلمه باتفاق المسلمين‏.‏

وإذا كانت المسألة مسألة نزاع في السلف والخلف، ولم يكن مع من ألزم الحالف بالطلاق أو غيره نص كتاب ولا سنة ولا إجماع، كان القول بنفي لزومه سائغا باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، بل هم متفقون على أنه ليس لأحد أن يمنع قاضيا يصلح للقضاء أن يقضي بذلك، ولا يمنع مفتيا يصلح للفتيا أن يفتي بذلك، بل هم يسوغون الفتيا والقضاء في أقوال ضعيفة، لوجود الخلاف فيها، فكيف يمنعون مثل هذا القول الذي دل عليه الكتاب والسنة والقياس الصحيح الشرعي، والقول به ثابت عن السلف والخلف، بل الصحابة الذين هم خير هذه الأمة ثبت عنهم أنهم أفتوا في الحلف بالعتق الذي هو أحب إلى الله ـ تعالى ـ من الطلاق‏:‏ أنه لا يلزم الحالف به، بل يجزيه /كفارة يمين‏.‏ فكيف يكون قولهم في الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى اللّه‏؟‏ ‏!‏ وهل يظن بالصحابة ـ رضوان اللّه عليهم ـ أنهم يقولون فيمن حلف بما يحبه الله من الطاعات ـ كالصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، أنه لا يلزمه أن يفعل هذه الطاعات، بل يجزيه كفارة يمين، ويقولون فيما لا يحبه الله، بل يبغضه‏:‏ إنه يلزم من حلف به‏؟‏

وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالكفر والإسلام أنه لا يلزمه كفر ولا إسلام، فلو قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا يهودي وفعله لم يصر يهوديا بالاتفاق‏.‏ وهل يلزمه كفارة يمين‏؟‏ على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ يلزمه وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه‏.‏

والثاني‏:‏ لا يلزمه، وهو قول مالك والشافعي، ورواية عن أحمد، وذهب بعض أصحاب أبي حنيفة إلى أنه إذا اعتقد أنه يصير كافرًا إذا حنث وحلف به فإنه يكفر‏.‏ قالوا‏:‏ لأنه مختار للكفر‏.‏ والجمهور قالوا‏:‏ لا يكفر؛ لأنه قصده ألا يلزمه الكفر، فلبغضه له حلف به‏.‏ وهكذا كل من حلف بطلاق أو غيره إنما يقصد بيمينه أنه لا يلزمه لفرط بغضه له‏.‏

وبهذا فرق الجمهور بين نذر التبرر ونذر اللحاج والغضب‏.‏ قالوا‏:‏ لأن الأول قصده وجود الشرط والجزاء، بخلاف الثاني‏.‏ فإذا قال‏:‏ إن شفى الله /مريضي فعلي عتق رقبة، أو فعبدي حر، لزمه ذلك بالاتفاق‏.‏ وأما إذا قال‏:‏ إن قلت كذا فعلى عتق رقبة، أو فعبدي حر‏.‏ وقصده ألا يفعله فهذا موضع النزاع‏:‏ هل يلزمه العتق في الصورتين، أو لا يلزمه في الصورتين، أو يجزيه كفارة يمين، أو يجزيه الكفارة في تعليق الوجوب دون تعليق الوقوع‏؟‏ وهذه الأقوال الثلاثة في الطلاق‏.‏

ولو قال اليهودي‏:‏ إن فعلت كذا فأنا مسلم، وفعله لم يصرمسلمًا بالاتفاق؛ لأن الحالف حلف بما يلزمه وقوعه‏.‏ وهكذا إذا قال المسلم‏:‏ إن فعلت كذا فنسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وأنا يهودي، هو يكره أن يطلق نساءه، ويعتق عبيده، ويفارق دينه، مع أن المنصوص عن الأئمة الأربعة وقوع العتق‏.‏

ومعلوم أن سبعة من الصحابة، مثل عمر، وابن عباس، وأبي هريرة وعائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم أجل من أربعة من علماء المسلمين ـ فإذا قالوا وأئمة التابعين أنه لا يلزمه العتق المحلوف به، بل يجزيه كفارة يمين، كان هذا القول ـ مع دلالة الكتاب والسنة ـ إنما يدل على هذا القول‏.‏ فكيف يسوغ لمن هو من أهل العلم والإيمان أن يلزم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقول المرجوح في الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة الشرعية، مع ما هم من مصلحة دينهم ودنياهم؛ فإن /في ذلك من صيانة أنفسهم، وحريمهم، وأموالهم، وأعراضهم، وصلاح ذات بينهم، وصلة أرحامهم، واجتماعهم على طاعة الله ورسوله واستغنائهم عن معصية الله ورسوله، ما يوجب ترجيحه لمن لا يكون عارفاً بدلالة الكتاب والسنة، فكيف بمن كان عارفًا بدلالة الكتاب والسنة‏؟‏ فإن القائل بوقوع الطلاق ليس معه من الحجة ما يقاوم قول من نفي وقوع الطلاق‏.‏

ولو اجتهد من اجتهد في إقامة دليل شرعي سالم عن المعارض المقاوم على وقوع الطلاق على الحالف لعجز عن ذلك، كما عجز عن تحديد ذلك، فهل يسوغ لأحد أن يأمر بما يخالف إجماع المسلمين، ويخرج عن سبيل المؤمنين؛ فإن القول الذي ذهب إليه بعض العلماء‏.‏ وهو لم يعارض نصًا ولا إجماعًا ولا ما في معني ذلك ويقدم عليه الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والقياس الصحيح ليس لأحد المنع من الفتيا به والقضاء به‏.‏ وإن لم يظهر رجحانه، فكيف إذا ظهر رجحانه بالكتاب والسنة، وبين ما لله فيه من المنة‏؟‏

فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 2‏]‏، وقال في كتابه‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏]‏، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين فرأي غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير‏)‏، وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم /من وجوه كثيرة، وفي مسلم من حديث أبي هريرة، وعدي بن حاتم، وأبي موسى الأشعري، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن ابن سمرة‏:‏ ‏(‏إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها‏)‏‏.‏ وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له من أن يعطي الكفارة التي فرض الله‏)‏‏.‏ وقال البخاري‏:‏ ‏(‏من استلج في أهله فهو أعظم إثمًا‏)‏‏.‏ فقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يلج‏)‏ من اللجاج؛ ولهذا سميت هذه الأيمان نذر اللجاج، والغضب‏.‏

 والألفاظ التي يتكلم بها الناس في الطلاق ثلاثة أنواع‏:‏

صيغة التنجيز‏.‏ والإرسال‏:‏ كقوله‏:‏ أنت طالق، أو مطلقة، فهذا يقع به الطلاق باتفاق المسلمين‏.‏

الثاني‏:‏ صيغة قسم، كقوله‏:‏ الطلاق يلزمنى لأفعلن كذا‏.‏ أو لا أفعل كذا، فهذا يمين باتفاق أهل اللغة، واتفاق طوائف الفقهاء، واتفاق العامة، واتفاق أهل الأرض‏.‏

الثالث‏:‏ صيغة تعليق، كقوله‏:‏ إن فعلت كذا فامرأتي طالق‏.‏ فهذه إن كان قصده به اليمين ـ وهو الذي يكره وقوع الطلاق مطلقًا كما يكره /الانتقال عن دينه ـ إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو يقول اليهودي‏:‏ إن فعلت كذا فأنا مسلم، فهو يمين حكمه حكم الأول الذي هو بصيغة القسم باتفاق الفقهاء‏.‏

فإن اليمين هي ما تضمنت حضًا، أو منعًا، أو تصديقًا، أو تكذيبًا بالتزام ما يكره الحالف وقوعه عند المخالفة‏.‏ فالحالف لا يكون حالفًا إلا إذا كره وقوع الجزاء عند الشرط‏.‏ فإن كان يريد وقوع الجزاء عند الشرط لم يكن حالفًا، سواء كان يريد الشرط وحده ولا يكره الجزاء عند وقوعه، أو كان يريد الجزاء عند وقوعه غير مريد له، أو كان مريدًا لهما‏.‏ فأما إذا كان كارهًا للشرط وكارهًا للجزاء مطلقًا ـ يكره وقوعه، وإنما التزمه عند وقوع الشرط ليمنع نفسه أو غيره ما التزمه من الشرط، أو ليحض بذلك ـ فهذا يمين‏.‏

وإن قصد إيقاع الطلاق عند وجود الجزاء كقوله‏:‏ إن أعطيتني ألفًا فأنت طالق، وإذا طهرت فأنت طالق، وإذا زنيت فأنت طالق، وقصده إيقاع الطلاق عند الفاحشة، لا مجرد الحلف عليها، فهذا ليس بيمين، ولا كفارة في هذا عند أحد من الفقهاء فيما علمناه، بل يقع به الطلاق إذا وجد الشرط عند السلف وجمهور الفقهاء‏.‏

/فاليمين التي يقصد بها الحض، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب ـ بالتزامه عند المخالفة ما يكره وقوعه ـ سواء كانت بصيغة القسم، أو بصيغة الجزاء، يمين عند جميع الخلق من العرب وغيرهم؛ فإن كون الكلام يمينًا مثل كونه أمرًا أو نهيا وخبرًا‏.‏ وهذا المعنى ثابت عند جميع الناس، العرب وغيرهم، وإنما تتنوع اللغات في الألفاظ، لا في المعاني، بل ما كان معناه يمينًا أو أمرًا أو نهيا عند العجم فكذلك معناه يمين أو أمر أو نهي عند العرب‏.‏ وهذا ـ أيضًا ـ يمين الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وهو يمين في العرف العام، ويمين عند الفقهاء كلهم‏.‏

وإذا كان يمينًا فلـيس في الكتاب والسنة لليمين إلا حكمـان‏:‏ إمـا أن تكون اليمين منعقـدة محترمة ففيها الكفارة، وإما ألا تكون منعقدة محترمة ـ كالحلف بالمخلوقات‏:‏ مثل الكعبة، والملائكة، وغير ذلك ـ فهذا لا كفارة فيه بالاتفاق‏.‏ فأما يمين منعقدة، محترمة، غير مكفرة، فهذا حكم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوم دليل شرعي سالم عن المعارض المقام‏.‏ فإن كانت هذه اليمين من أيمان المسلمين فقد دخلت في قوله تعالى للمسلمين‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 2‏]‏، وإن لم تكن من أيمانهم، بل كانت من الحلف بالمخلوقات، فلا يجب بالحنث، لا كفارة ولا غيرها، فتكون مهدرة‏.‏

/فهذا ونحوه من دلالة الكتاب والسنة والاعتبار يبين أن الإلزام بوقوع الطلاق للحالف في يمينه حكم يخالف الكتاب والسنة، وحسب القول الآخر أن يكون مما يسوغ الاجتهاد‏.‏ فإما أن يقال‏:‏ إنه لم يجب على المسلمين كلهم العمل بهذا القول، ويحرم عليهم العمل بذلك القول، فهذا لا يقوله أحد من علماء المسلمين بعد أن يعرف ما بين المسلمين من النزاع والأدلة‏.‏ ومن قال بالقول المرجوح وخفي عليه القول الراجح، كان حسبه أن يكون قوله سائغًا لا يمنع من الحكم به والفتيا به‏.‏

أما إلزام المسلمين بهذا القول، ومنعهم من القول الذي دل عليه الكتاب والسنة، فهذا خلاف أمر الله ورسوله وعباده المؤمنين من الأئمة الأربعة وغيرهم‏.‏ فمن منع الحكم والفتيا بعدم وقوع الطلاق وتقليد من نفي بذلك فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، ولا يفعل ذلك إلا من لم يكن عنده علم، فهذا حسبه أن يعذر، لا يجب اتباعه، ومعاند متبع لهواه لا يقبل الحق إذا ظهر له، ولا يصغي لمن يقوله ليعرف ما قال، بل يتبع هواه بغير هدي من الله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 50‏]‏، فإنه‏:‏ إما مقلد، وإما مجتهد‏.‏ فالمقلد لا ينكر القول الذي يخالف متبوعه إنكار من يقول هو باطل فإنه لا يعلم أنه باطل، فضلاً عن أن يحرم القول به، ويوجب القول بقول سلفه‏.‏ والمجتهد ينظر ويناظر، وهو مع ظهور قوله لا يسوغ قول منازعيه الذي ساغ فيه الاجتهاد، وهو ما لم يظهر أنه خالف نصًا ولا إجماعًا، فمن خرج عن حد /التقليد السائغ والاجتهاد، كان فيه شبه من الذين ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 170‏]‏، وكان ممن اتبع هواه بغير هدى من الله‏.‏

ومن قال إنه اتبع هذه الفتيا فولد له ولد بعد ذلك فهو ولد زنا، كان هذا القائل في غاية الجهل والضلال، والمشاقة لله ولرسوله‏.‏

وعلى الجملة، إذا كان الملتزم به قربة لله تعالى يقصد به القرب إلى الله تعالى، لزمه فعله، أو الكفارة‏.‏ ولو التزم ما ليس بقربة، كالتطليق، والبيع، والإجارة ومثل ذلك ـ لم يلزمه، بل يجزيه كفارة يمين عند الصحابة وجمهور المسلمين، وهو قول الشافعي وأحمد، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وقول المحققين من أصحاب مالك؛ لأن الحلف بالطلاق على وجه اليمين يكره وقوعه إذا وجد الشرط، كما يكره وقوع الكفر، فلا يقع، وعليه الكفارة‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عمن قال‏:‏ الطلاق يلزمنى على المذاهب الأربعة، أو نحو ذلك‏:‏ هل يلزمه الطلاق كما قال، أم كيف الحكم‏؟‏

فأجاب‏:‏

وأما قول الحالف‏:‏ الطلاق يلزمنى على مذاهب الأئمة الأربعة، أو على مذهب من يلزمه بالطلاق، لا من يجوز في الحلف به كفارة، أو فعلى /الحج على مذهب مالك بن أنس، أو فعلي كذا على مذهب من يلزمه من فقهاء المسلمين، أو فعلى كذا على أغلظ قول قيل في الإسلام، أو فعلي كذا أني لا أستفتي من يفتيني بالكفارة في الحلف بالطلاق، أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا ولا أستفتي من يفتيني بحل يميني أو رجعة في يميني، ونحو هذه الألفاظ التي يغلظ فيها اللزوم تغليظًا يؤكد به لزوم المعلق عند الحنث؛ لئلا يحنث في يمينه، فإن الحالف عند اليمين يريد تأكيد يمينه بكل ما يخطر بباله من أسباب التأكيد، ويريد منع نفسه من الحنث فيها بكل طريق يمكنه، وذلك كله لا يخرج هذه العقود عن أن تكون أيمانًا مكفرة، ولو غلظ الأيمان التي شرع الله فيها الكفارة بما غلظ، ولو قصد ألا يحنث فيها بحال، فذلك لا يغير شرع الله، وأيمان الحالفين لا تغير شرائع الدين، بل ما كان الله قد أمر به قبل يمينه فقد أمر به بعد اليمين، واليمين ما زادته إلا توكيدًا‏.‏

وليس لأحد أن يفتي أحدًا بترك ما أوجبه الله، ولا بفعل ما حرمه الله ولو لم يحلف عليه، فكيف إذا حلف عليه‏؟‏ ‏!‏

وهذا مثل الذي يحلف على فعل ما يجب عليه، من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وطاعة السلطان، ومناصحته وترك الخروج، ومحاربته، وقضاء الدين الذي عليه، وأداء الحقوق إلى مستحقيها والامتناع من الظلم والفواحش، وغير ذلك ـ فهذه الأمور كانت قبل اليمين واجبة، وهي بعد اليمين أوجب‏.‏

/وما كان محرمًا قبل اليمين فهو بعد اليمين أشد تحريمًا، ولهذا كانت الصحابة يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على طاعته والجهاد معه، وذلك واجب عليهم ولو لم يبايعوه فالبيعة أكدته، وليس لأحد أن ينقض مثل هذا العقد‏.‏ وكذلك مبايعة السلطان التي أمر الله بالوفاء بها ليس لأحد أن ينقضها ولو لم يحلف، فكيف إذا حلف‏؟‏ ‏!‏ بل لو عاقد الرجل غيره على بيع، أو إجارة أو نكاح، لم يجز له أن يغدر به، ولوجب عليه الوفاء بهذا العقد، فكيف بمعاقدة ولاة الأمور على ما أمر الله به ورسوله، من طاعتهم، ومناصحتهم، والامتناع من الخروج عليهم ـ فكل عقد وجب الوفاء به بدون اليمين إذا حلف عليه كانت اليمين موكدة له، ولو لم يجز فسخ مثل هذا العقد بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر‏)‏‏.‏

وما كان مباحًا قبل اليمين إذا حلف الرجل عليه لم يصر حرامًا، بل له أن يفعله ويكفر عن يمينه، وما لم يكن واجبًا فعله إذا حلف عليه لم يصر واجبًا عليه، بل له أن يكفر يمينه ولا يفعله‏.‏ ولو غلظ في اليمين بأي شيء غلظها، فأيمان الحالفين لا تغير شرائع الدين، وليس لأحد أن يحرم بيمينه ما أحله الله، ولا يوجب بيمينه ما لم يوجبه الله، هذا هو شرع محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

/وأما شرع من قبله فكان في شرع بني إسرائيل إذا حرم الرجل شيئًا حرم عليه، وإذا حلف ليفعلن شيئًا وجب عليه، ولم يكن في شرعهم كفارة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 93‏]‏، فإسرائيل حرم على نفسه شيئًا فحرم عليه، وقال الله تعالى لنبينا‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 1، 2‏]‏، وهذا الفرض هو المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 87‏:‏ 89‏]‏ ‏.‏

ولهذا لما لم يكن في شرع من قبلنا كفارة، بل كانت اليمين توجب عليهم فعل المحلوف عليه أمر الله أيوب أن يأخذ بيده ضغثًا فيضرب به ولا يحنث؛ لأنه لم يكن في شرعه كفارة يمين، ولو كان في شرعه كفارة يمين كان ذلك أيسر عليه من ضرب امرأته ولو بضغث، فإن أيوب كان قد رد الله عليه أهله ومثلهم معهم، لكن لما كان ما يوجبونه باليمين بمنزلة ما يجب / بالشرع، كانت اليمين عندهم كالنذر‏.‏ والواجب بالشرع قد يرخص فيه عند الحاجة، كما يرخص في الجلد الواجب في الحد إذا كان المضروب لا يحتمل التفريق، بخلاف ما التزمه الإنسان بيمينه في شرعنا فإنه لا يلزم بالشرع فيلزمه ما التزمه، وله مخرج من ذلك في شرعنا بالكفارة‏.‏

ولكن بعض علمائنا لما ظنوا أن الأيمان مما لا مخرج لصاحبه منه، بل يلزمه ما التزمه، فظنوا أن شرعنا في هذا الموضع كشرع بني إسرائيل احتاجوا إلى الاحتىال في الأيمان‏:‏ إما في لفظ اليمين، وإما بخلع اليمين، وإما بدور الطلاق، وإما بجعل النكاح فاسدًا فلا يقع فيه الطلاق‏.‏ وإن غلبوا عن هذا كله دخلوا في التحليل، وذلك لعدم العلم بما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع من الحنيفية السمحة، وما وضع الله به من الآصار والأغلال، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَحْمتى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف 156‏:‏ 157‏]‏‏.‏

وصار ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هو الحق في نفس الأمر، وما أحدث غيره غايته أن يكون بمنزلة شرع من قبله مع شرعه، وإن كان /الذين قالوه باجتهادهم لهم سعي مشكور وعمل مبرور، وهم مأجورون على ذلك مثابون عليه، فإنه كلما كان من مسائل النزاع التي تنازعت فيه الأمة فأصوب القولين فيه ما وافق كتاب الله وسنة رسوله، من أصاب هذا القول فله أجران، ومن لم يؤده اجتهاده إلا إلى القول الآخر كان له أجر واحد، والقول الموافق لسنته مع القول الآخر بمنزلة طريق سهل مخصب يوصل إلى المقصود، وتلك الأقوال فيها بعد، وفيها وعورة، وفيها حدوثة، فصاحبها يحصل له من التعب والجهد أكثر مما في الطريقة الشرعية‏.‏

ولهذا أذاعوا ما دل عليه الكتاب والسنة على تلك الطريقة التي تتضمن من لزوم ما يبغضه الله ورسوله ـ من القطيعة، والفرقة، وتشتيت الشمل، وتخريب الديار، وما يحبه الشيطان و السحرة من التفريق بين الزوجين وما يظهر مافيها من الفساد لكل عاقل ـ ثم إما أن يلزموا هذا الشر العظيم ويدخلوا في الآصار وأغلال، وإما أن يدخلوا في منكرات أهل الاحتىال، وقد نزه الله النبي وأصحابه من كلا الفريقين بما أغناهم به من الحلال‏.‏

فالطرق ثلاثة‏:‏ إما الطريقة الشرعية المحضة الموافقة للكتاب والسنة، وهي طريق أفاضل السابقين الأولين، وتابعيهم بإحسان، وإما طريقة الآصار والأغلال والمكر والاحتىال، وإن كان من سلكها سادات أهل العلم والإيمان، وهم مطيعون لله ورسوله فيما أتوا به من الاجتهاد /المأمور به ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 286‏]‏‏.‏ وهذا كالمجتهد في القبلة إذا أدي اجتهاد كل فرقة إلى جهة من الجهات الأربع، فكلهم مطيعون لله ورسوله مقيمون للصلاة، لكن الذي أصاب القبلة في نفس الأمر له أجران‏.‏ والعلماء ورثة الأنبياء، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 78‏:‏ 79‏]‏، وكل مجتهد مصيب‏:‏ بمعني أنه مطيع لله، ولكن الحق في نفس الأمر واحد‏.‏

والمقصود هنا‏:‏ أن ما شرع الله تكفيره من الأيمان هو مكفر، ولو غلظه بأي وجه غلظ، ولو التزم ألا يكفره كان له أن يكفره؛ فإن التزامه ألا يكفره التزام لتحريم ما أحله الله ورسوله، وليس لأحد أن يحرم ما أحله الله ورسوله، بل عليه في يمينه الكفارة‏.‏

فهذا الملتزم لهذا الالتزام الغليظ هو يكره لزومه إياه، وكلما غلظ كان لزومه له أكره إليه؛ وإنما التزمه لقصده الحظر والمنع؛ ليكون لزومه له مانعًا من الحنث، لم يلتزمه لقصد لزومه إياه عند وقوع الشرط، فإن هذا القصد يناقض عقد اليمين، فإن الحالف لا يحلف إلا بالتزام ما يكره وقوعه عند المخالفة، ولا يحلف قط إلا بالتزامه ما يريد وقوعه عند المخالفة، فلا يقول حالف‏:‏ إن فعلت كذا غفر الله لي، ولا أماتني على الإسلام، بل يقول‏:‏ إن فعلت /كذا فأنا يهودي، أو نصراني، أو نسائي طوالق، أو عبيدي أحرار، أو كل ما أملكه صدقة، أو على عشر حجج حافيا مكشوف الرأس على مذهب مالك بن أنس، أو فعلى الطلاق على المذاهب الأربعة، أو فعلى كذا على أغلظ قول‏.‏

وقد يقول مع ذلك‏:‏ على ألا أستفتي من يفتيني بالكفارة، ويلتزم عند غضبه من اللوازم ما يري أنه لا مخرج له منه إذا حنث‏.‏ ليكون لزوم ذلك مانعًا من الحنث، وهو في ذلك لا يقصد قط أن يقع به شيء من تلك اللوازم وإن وقع الشرط أو لم يقع، وإذا اعتقد أنها تلزمه التزمها لاعتقاده لزومها إياه مع كراهته لأن يلتزمه، لا مع إرادته أن يلتزمه، وهذا هو الحالف واعتقاد لزوم الجزاء غير قصده للزوم الجزاء‏.‏

فإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط، لزمه مطلقًا، ولو كان بصيغة القسم‏.‏ فلو كان قصده أن يطلق امرأته إذا فعلت ذلك الأمر، أو إذا فعل هو ذلك الأمر، فقال‏:‏ الطلاق يلزمنى لا تفعلين كذا، وقصده أنها تفعله فتطلق؛ ليس مقصوده أن ينهاها عن الفعل، ولا هو كاره لطلاقها، بل هو مريد لطلاقها، طلقت في هذه الصورة، ولم يكن هذا في الحقيقة حالفًا، بل هو معلق للطلاق على ذلك الفعل بصيغة القسم، ومعني كلامه معني التعليق الذي يقصد به الإيقاع، فيقع به الطلاق هنا عند الحنث في اللفظ الذي هو بصيغة القسم‏.‏ ومقصوده مقصود التعليق‏.‏ والطلاق هنا /إنما وقع عند الشرط الذي قصد إيقاعه عنده، لا عندما هو حنث في الحقيقة‏:‏ إذ الاعتبار بقصده ومراده، لا بظنه واعتقاده، فهو الذي تبني عليه الأحكام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى‏)‏‏.‏

والسلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وجماهير الخلف من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم متفقون على أن اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغيره إذا قصد به الطلاق فهو طلاق، وإن قصد به غير الطلاق لم يكن طلاقًا‏.‏ وليس للطلاق عندهم لفظ معين، فلهذا يقولون‏:‏ إنه يقع بالصريح والكناية‏.‏ ولفظ الصريح عندهم كلفظ الطلاق لو وصله بما يخرجه عن طلاق المرأة لم يقع به الطلاق كما لو قال لها‏:‏ أنت طالق من وثاق الحبس، أو من الزوج الذي كان قبلي ونحو ذلك‏.‏

والمرأة إذا أبغضت الرجل كان لها أن تفتدي نفسها منه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شيئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 229‏]‏، وهذا الخلع تبين به المرأة، فلا يحل له أن يتزوجها بعده إلا برضاها، وليس هو كالطلاق المجرد، فإن ذلك يقع رجعيا له أن يرتجعها في العدة بدون رضاها، لكن تنازع العلماء في هذا الخلع‏:‏ هل يقع به طلقة بائنة محسوبة من الثلاث، أو /تقع به فرقة بائنة وليس من الطلاق الثلاث بل هو فسخ‏؟‏ على قولين مشهورين‏.‏

والأول‏:‏ مـذهب أبي حنيفة ومالك وكثير من السلف، ونقل عن طائفة من الصحابة، لكن لم يثبت عن و احد منهم، بل ضعف أحمد بن حنبل وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم جميع ما روي في ذلك عن الصحابة‏.‏

والثاني‏:‏ أنه فرقة بائنة، وليس من الثلاث وهذا ثابت عن ابن عباس باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وهو قول أصحابه ـ كطاووس وعكرمة ـ وهو أحد قولي الشافعي وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل وغيره من فقهاء الحديث، وإسحاق بن راهوية، وأبي ثور، وداود، وابن المنذر، وابن خزيمة وغيرهم‏.‏ واستدل ابن عباس على ذلك بأن الله تعالى ذكر الخلع بعد طلقتين ثم قال‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 230‏]‏، فلو كان الخلع طلاقًا لكان الطلاق أربعًا‏.‏

ثم أصحاب هذا القول تنازعوا‏:‏ هل يشترط أن يكون الخلع بغير لفظ الطلاق‏؟‏ أو لا يكون إلا بلفظ الخلع والفسخ والمفاداة، ويشترط مع ذلك ألا ينوى الطلاق‏؟‏ أو لا فرق بين أن ينوىه أو لا ينوىه، وهو خلع بأي لفظ وقع بلفظ الطلاق أو غيره‏؟‏ على أوجه في مذهب أحمد وغيره‏:‏ أصحها الذي دل عليه كلام ابن عباس وأصحابه، وأحمد بن حنبل وقدماء أصحابه، وهو الوجه الأخير، وهو‏:‏ أن الخلع هو الفرقة بعوض، فمتى فارقها بعوض فهي /مفتدية لنفسها به، وهو خالع لها بأي لفظ كان، ولم ينقل أحد قط لا عن ابن عباس وأصحابه ولا عن أحمد بن حنبل أنهم فرقوا بين الخلع بلفظ الطلاق وبين غيره، بل كلامهم لفظه ومعناه يتناول الجميع‏.‏

والشافعي ـ رضي الله عنه ـ لما ذكر القولين في الخلع هل هو طلاق أم لا‏؟‏ قال‏:‏ وأحسب الذين قالوا هو طلاق هو فيما إذا كان بغير لفظ الطلاق؛ ولهذا ذكر محمد بن نصر والطحاوي أن هذا لا نزاع فيه، والشافعي لم يحك عن أحد هذا، بل ظن أنهم يفرقون‏.‏ وهذا بناه الشافعي على أن العقود وإن كان معناها واحدًا فإن حكمها يختلف باختلاف الألفاظ‏.‏ وفي مذهبه نزاع في الأصل‏.‏

وأما أحمد بن حنبل، فإن أصوله ونصوصه وقول جمهور أصحابه أن الاعتبار في العقود بمعانيها لا بالألفاظ، وفي مذهبه قول آخر‏:‏ أنه تختلف الأحكام باختلاف الألفاظ، وهذا يذكر في التكلم بلفظ البيع، وفي المزارعة بلفظ الإجارة، وغير ذلك‏.‏ وقد ذكرنا ألفاظ ابن عباس وأصحابه، وألفاظ أحمد وغيره، وبينا أنها بينة في عدم التفريق‏.‏ وأن أصول الشرع لا تحتمل التفريق، وكذلك أصول أحمد‏.‏ وسببه ظن الشافعي أنهم يفرقون‏.‏ وقد ذكرنا في غير هذا الموضع وبينا أن الآثار الثابتة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وغيره تدل دلالة بينة أنه خلع، وإن كان بلفظ الطلاق، وهذه الفرقة توجب البينونة‏.‏ والطلاق الذي ذكره الله تعالى في كتابه هو الطلاق الرجعي‏.‏

/قال هؤلاء‏:‏ وليس في كتاب الله طلاق بائن محسوب من الثلاث أصلاً، بل كل طلاق ذكره الله تعالى في القرآن فهو الطلاق الرجعي‏.‏ وقال هؤلاء‏:‏ ولو قال لامرأته‏:‏ أنت طالق طلقة بائنة لم يقع بها إلا طلقة رجعية، كما هو مذهب أكثر العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه‏.‏ قالوا‏:‏ وتقسيم الطلاق إلى رجعي وبائن تقسيم مخالف لكتاب الله، وهذا قول فقهاء الحديث، وهو مذهب الشافعي، وظاهر مذهب أحمد؛ فإن كل طلاق بغير عوض لا يقع إلا رجعيا‏.‏ وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة بائنة أو طلاقًا بائنًا، لم يقع به عندهما إلا طلقة رجعية‏.‏ وأما الخلع ففيه نزاع في مذهبهما‏.‏ فمن قال بالقول الصحيح طرد هذا الأصل، واستقام قوله، ولم يتناقض كما يتناقض غيره، إلا من قال من أصحاب الشافعي وأحمد‏:‏ إن الخلع بلفظ الطـلاق يقع طلاقًا بائنًا، فهـؤلاء أثبتوا في الجملـة طلاقًا بائنًا محسوبًا من الثلاث فنقضوا أصلهم الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة‏.‏ وقال بعض الظاهرية‏:‏ إذا وقع بلفظ الطلاق كان طلاقًا رجعيا، لا بائنًا؛ لأنه لم يمكنه أن يجعله طلاقًا بائنًا لمخالفة القرآن، وظن أنه بلفظ الطلاق يكون طلاقًا فجعله رجعيا، وهذا خطأ، فإن مقصود الافتداء لا يحصل إلا مع البينونة؛ ولهذا كان حصول البينونة بالخلع مما لم يعرف فيه خلاف بين المسلمين، لكن بعضهم جعله جائزًا، فقال‏:‏ للزوج أن يرد العوض ويراجعها، والذي عليه الأئمة الأربعة والجمهور أنه لا يملك الزوج وحده أن يفسخه، ولكن لو اتفقا على فسخه كالتقايل، فهذا فيه نزاع آخر، كما بسط في موضعه‏.‏

/والمقصود هنا أن كتاب الله يبين أن الطلاق بعد الدخول لا يكون إلا رجعيا، وليس في كتاب الله طلاق بائن إلا قبل الدخول‏.‏ وإذا انقضت العدة فإذا طلقها ثلاثًا فقد حرمت عليه، وهذه البينونة الكبرى، وهي إنما تحصل بالثلاث لا بطلقة واحدة مطلقة، لا يحصل بها لا بينونة كبرى، ولا صغرى‏.‏ وقد ثبت عن ابن عباس أنه قيل له‏:‏ إن أهل اليمن عامة طلاقهم الفداء، فقال ابن عباس‏:‏ ليس الفداء بطلاق‏.‏ ورد المرأة على زوجها بعد طلقتين وخلع مرة، وبهذا أخذ أحمد بن حنبل في ظاهر مذهبه والشافعي في أحد قوليه، لكن تنازع أهل هذا القول‏:‏ هل يختلف الحكم باختلاف الألفاظ‏؟‏ والصحيح أن المعني إذا كان واحدًا فالاعتبار بأي لفظ وقع، وذلك أن الاعتبار بمقاصد العقود وحقائقها لا باللفظ وحده، فما كان خلعًا فهو خلع بأي لفظ كان، وما كان طلاقاً فهو طلاق بأي لفظ كان، وما كان يمينًا فهو يمين بأي لفظ كان، وما كان إيلاء فهو إيلاء بأي لفظ كان، وما كان ظهارًا فهو ظهار بأي لفظ كان‏.‏

والله تعالى ذكر في كتابه الطلاق واليمين والظهار والإيلاء والافتداء ـ وهو الخلع ـ وجعل لكل واحد حكمًا، فيجب أن نعرف حدود ما أنزل الله على رسوله، وندخل في الطلاق ما كان طلاقًا، وفي اليمين ما كان يمينًا، وفي الخلع ما كان خلعًا، وفي الظهار ما كان ظهارًا، وفي الإيلاء ما كان إيلاء‏.‏ وهذا هو الثابت عن أئمة الصحابة وفقهائهم والتابعين لهم بإحسان‏.‏ ومن العلماء من اشتبه عليه بعض ذلك ببعض، /فيجعل ما هو ظهار طلاقًا، فيكثر بذلك وقوع الطلاق الذي يبغضه الله ورسوله، ويحتاجون إما إلى دوام المكروه، وإما إلى زواله بما هو أكره إلى الله ورسوله منه، وهو نكاح التحليل‏.‏

وأما الطلاق الذي شرعه الله ورسوله فهو أن يطلق امرأته إذا أراد طلاقها طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه، أو كانت حاملاً قد استبان حملها، ثم يدعها تتربص ثلاثة قروء، فإن كان له غرض راجعها في العدة، وإن لم يكن له فيها غرض، سرحها بإحسان‏.‏ ثم إن بدا له بعد هذا إرجاعها، يتزوجها بعقد جديد، ثم إذا أراد ارتجاعها أو تزوجها، وإن أراد أن أن يطلقها طلقها، فهذا طلاق السنة المشروع‏.‏

ومن لم يطلق إلا طلاق السنة لم يحتج إلى ما حرم الله ورسوله من نكاح التحليل وغيره، بل إذا طلقها ثلاث تطليقات له في كل طلقة رجعة، أو عقد جديد، فهنا قد حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، ولا يجوز عودها إليه بنكاح تحليل أصلاً، بل قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له واتفق على ذلك أصحابه وخلفاؤه الراشدون وغيرهم، فلا يعرف في الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدًا من خلفائه أو أصحابه أعاد المطلقة ثلاثًا إلى زوجها بعد نكاح تحليل أبدًا، ولا كان نكاح التحليل ظاهرًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان من يفعله سرًا، وقد لا تعرف المرأة ولا وليها وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وفي الربا قال‏:‏ ‏(‏لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه‏)‏، فلعن الكاتب والشهود، لأنهم كانوا يشهدون على دين الربا، ولم يكونوا يشهدون على نكاح التحليل‏.‏

/وأيضًا فإن النكاح لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكتب فيه صداق كما تكتب الديون، ولا كانوا يشهدون فيه لأجل الصداق، بل كانوا يعقدونه بينهم، وقد عرفوا به، ويسوق الرجل المهر للمرأة فلا يبقي لها عليه دين؛ فلهذا لم يذكر رسول الله في نكاح التحليل الكاتب والشهود كما ذكرهم في الربا‏.‏

ولهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإشهاد على النكاح حديث‏.‏ ونزاع العلماء في ذلك على أقوال في مذهب أحمد وغيره، فقيل‏:‏ يجب الإعلان أشهدوا أو لم يشهدوا، فإذا أعلنوه ولم يشهدوا تم العقد، وهو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايات‏.‏ وقيل‏:‏ يجب الإشهاد؛ أعلنوه أو لم يعلنوه، فمتى أشهدوا وتواصوا بكتمانه لم يبطل، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد في إحدى الروايات‏.‏ وقيل‏:‏ يجب الأمران‏:‏ الإشهاد والإعلان‏.‏ وقيل‏:‏ يجب أحدهما، وكلاهما يذكر في مذهب أحمد‏.‏

وأما نكاح السر الذي يتواصون بكتمانه ولا يشهدون عليه أحدًا، فهو باطل عند عامة العلماء، وهو من جنس السفاح قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏، وهذه المسائل مبسوطة في موضعها‏.‏

/وإنما المقصود هنا التنبيه على الفرق بين الأقوال الثابتة بالكتاب والسنة، وما فيها من العدل والحكمة والرحمة، وبين الأقوال المرجوحة، وإن ما بعث الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة يجمع مصالح العباد في المعاش والمعاد على أكمل وجه، فإنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولا نبي بعده، وقد جمع الله في شريعته ما فرقه في شرائع من قبله من الكمال؛ إذ ليس بعده نبي، فكمل به الأمر، كما كمل به الدين، فكتابه أفضل الكتب، وشرعه أفضل الشرائع، ومنهاجه أفضل المناهج، وأمته خير الأمم، وقد عصمها الله على لسانه فلا تجتمع على ضلالة، ولكن يكون عند بعضها من العلم والفهم ما ليس عند بعض، والعلماء ورثة الأنبياء، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 78، 79‏]‏، فهذان نبيان كريمان حكما في قصة فخص الله أحدهما بالفهم، ولم يعب الآخر، بل أثني عليهما جميعًا بالحكم والعلم‏.‏ وهكذا حكم العلماء المجتهدين ورثة الأنبياء، وخلفاء الرسل العاملين بالكتاب‏.‏

وهـذه القضية التي قضى فيها دواد وسليمان لعلماء المسلمين فيها وما يشبهها ـ أيضًا ـ قولان‏:‏ منهم من يقضي بقضاء داود، ومنهم من يقضي بقضاء سليمان، وهذا هو الصواب، وكثير من العلماء أو أكثرهم لا يقول به، بل قد لا يعرفه‏.‏ وقد بسطنا هذا في غير هذا الجواب‏.‏ والله أعلم بالصواب‏.‏

/وأما إذا حلف بالحرام فقال‏:‏ الحرام يلزمنى لا أفعل كذا، أو الحل على حرام لا أفعل كذا، أو ما أحل الله على حرام إن فعلت كذا، أو ما يحل على المسلمين يحرم على إن فعلت كذا، أو نحو ذلك، وله زوجة، ففي هذه المسألة نزاع مشهور بين السلف والخلف، لكن القول الراجح أن هذه يمين لا يلزمه بها طلاق، ولو قصد بذلك الحلف بالطلاق، وهو مذهب أحمد المشهور عنه، حتى لو قال‏:‏ أنت على حرام ونوى به الطلاق لم يقع به الطلاق عنده‏.‏

ولو قال أنت على كظهر أمي وقصد به الطلاق، فإن هذا لا يقع به الطلاق عند عامة العلماء، وفي ذلك أنزل الله القرآن، فإنهم كانوا يعدون الظهار طلاقاً، والإيلاء طلاقًا، فرفع الله ذلك كله، وجعل في الظهار الكفارة الكبرى، وجعل الإيلاء يمينًا يتربص فيها الرجل أربعة أشهر، فإما أن يمسك بمعروف، أو يسرح بإحسان‏.‏ وكذلك قال كثير من السلف والخلف‏:‏ إنه إذا كان مزوجاً فحرم امرأته أو حرم الحلال مطلقًا كان مظاهرًا، وهو مذهب أحمد‏.‏

وإذا حلف بالظهار، أو الحرام لا يفعل شيئًا، وحنث في يمنه، أجزأته الكفارة في مذهبه، لكن قيل‏:‏ إن الواجب كفارة ظهار، سواء حلف /أو أوقع، وهو المنقول عن أحمد‏.‏ وقيل‏:‏ بل إن حلف به أجزأه كفارة يمين، وإن أوقعه لزمه كفارة ظهار‏.‏ وهذا أقوى وأقيس على أصل أحمد وغيره‏.‏ فالحالف بالحرام تجزئه كفارة يمين، كما تجزئ الحالف بالنذر إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فعلى الحج، أو فمالي صدقة‏.‏

وكذلك إذا حلف بالعتق لزمته كفارة يمين عند أكثر السلف من الصحابة والتابعين، وكذلك الحلف بالطلاق تجزئ ـ أيضًا ـ فيه كفارة يمين، كما أفتى من أفتى به من السلف والخلف، والثابت عن الصحابة لا يخالف ذاك، بل معناه يوافقه‏.‏ وكل يمين يحلف بها المسلمون من أيمانهم ففيها كفارة يمين، كما دل عليه الكتاب والسنة‏.‏

وأما إذا كان مقصود الرجل أن يطلق أو يعتق أو أن يظاهر، فهذا يلزمه ما أوقعه، سواء كان منجزًا أو معلقًا، فلا تجزئه كفارة يمين‏.‏ والله أعلم بالصواب‏.‏